لعنة السد .. أم فساد اليد ؟
لعنة السد .. أم فساد اليد ؟
شيد المصريون صرح السد العالي بعد تأميم قناة السويس عام 1956 وتحملهم ويلات الحروب بعدها .. وكم من أبطال ضاعوا ضحايا لهذا القرار الجمهوري الذي أفاد الشعب المصري كله .. ومازلنا ننعم بذلك حتى اليوم وإن تحملنا مضايقات أدت إلي إغلاق القناة سنوات حتى تمت إعادتها للملاحة البحرية عام 1975 .. بنظام حديث ودولي رائع .. تصور البعض أننا سوف نتسلم القناة بعد مرور 99 عاما علي افتتاحها في عام 1968 بالطريق السلمي ولكن ذلك كان بعيد المنال .. وكانت المدة سوف تمتد حتى عام 2018 أي بزيادة قدرها خمسون عاما عن المدة المقررة .. وهذا ما يعني سيطرة بريطانيا وفرنسا حتى اليوم .. ولأن إٍسرائيل تعتبر هذه القناة حداً فاصلاً بينها وبين مصر بمثابتة ينام بني صهيون وهم أمنون علي بلادهم .. ولم يكن هدفهم تحصيل أموال العبور أو المشاركة فيها رغم أن نصيب مصر قبل التأميم كان لا يتجاوز 15% ؟! حدث التأميم الذي هو بحق أهم من قرار بناء السد العالي .. تغني الشعب المصري بالسد وتفاخرنا به أمام العالم أجمع رغم أن التاريخ كله أوصي به منذ قرون ولكن عدم الإمكانيات كانت تقف حائلا دون ذلك .. وبموجبه أصبح لمصر مخزونا استراتيجيا من مياه النيل سواء للزراعة أو الشرب تحدث نتائجه في انحسار النيل وفترات شبة الجفاف .. وقد استفادت مصر من ذلك في فترات حالكة من المياه وقلة الفيضان وهو ما حدا بالحكومة أن تقرر منع مياه الري في حالة وصول مخزون المياه وراء السد حاجز 150 مترا حتى لا تتأثر مبينات الكهرباء في محطات السد في توليد القوي .. ولكن الله تعالي أمدنا بفيضان من عنده عوضنا عن الجفاف
الذي كاد أن يلحق بنا .. والمصريون القدماء قدسوا النيل وعبدوه ونصبوا له الأعياد واحتفلوا به وفاءً للنيل العظيم وكانوا يلقون به بعروس كل عام اعتقادا بأنه لابد أن يتزوج حتى يفيض بالمياه .. ونهر النيل هو رافد طبيعي لم تتعرف العوامل البشرية علي نشأته أو تطوره وهو أطول نهر في العالم حتى أنه يزيد في طوله عن المسيسبي في أمريكا الشمالية .. ويعتقد المصريون أن كوبري قصر النيل الذي أنشأه الخديوي إسماعيل وهو أول كوبري يربط القاهرة شرقها وغربها أن كتاب النيل مدفون تحته ومعه لا يمكن تحويل مجراه عن مصر مهما بلغت محاولات الأعداء الكيدية .. كما اعتقد الآخرون أن يهوديا عاش في مصر أربعين عاماً يصلي بالأزهر ويصوم حتى حصل علي المرآة والمسلة من تحت كوبري قصر النيل وهرب بهما وهو ما أدي إلي نزول المن في الأرض الزراعية وهلاك الزروع أحيانا .. واعتقدوا أنه سجل علي جدار الأزهر ” عيدوا صلاتكم فإن الصلاة كانت علي الكافرين حرام ” ولو انه ظل أربعين سنة تالية يتعبد علي غير دينه لحصل علي كتاب النيل وتحول مجراه عن مصر .. ومهما كانت هذه الخرافات ومدي ترسيخها في عقول المصريين وخرافاتها من صحتها يؤكد ذلك مدي الاهتمام به والحرص عليه والتعلق به .. نهر النيل الذي أطرب الشعراء وغني له كبار المطربين لم يكن ذلك من فراغ .. وان اهتم الشعب بالسد العالي فترة ولكن ظل النيل هو الغالب علي الدوام .. ومع السد اتسعت الرقعة الزراعية من مليوني فدان إلي ستة ملايين وزادت الزراعات من اثنين إلي ثلاثة ولكن من السلبيات هناك الكثير ؟! مثل اتخاذ الفلاح الأرض مستقرا دائما بعدما كان يرحل كل فيضان وهو ما أدي إلي انحسار الأرض الزراعية بنسبة 15% للبناء أو يزيد .. أيضا كثرة الآفات الزراعية مثل ملوحة الأرض وشق قنوات الصرف وزيادة الديدان والجراد والحشرات وتغيير المناخ مع نزول أبو قردان صديق الفلاح الذي حاربته المبيدات والسموم في الجو .. فطلبت الأرض أسمدة ومبيدات لتقاوم هذه الآفات ورغم اتساع رقعتنا الزراعية ألا أن الإنتاج كما هو فمازلنا نستورد نصف ما نستهلكه من القمح .. العامود الفقري للمصريين في معيشتهم .. والأرز كما هو يصدر منه 15% فقط .. وحتى قصب السكر لم يكن يكفي رغم التوسع في زراعة البنجر .. إن التوسع الأفقي بدون مياه لا يكون توسعاً ولكن الزراعة هي أساس الاستقرار حتى مع وجود المصانع والتجمعات السكانية الجديدة تفرض الدولة حزاما اخضر يقوم علي المياه الجوفية .. ومن حسنات النيل مياهه الجوفية في مصر والتي امتد خيرها إلي النهر الصناعي العظيم بليبيا وحفروا الأرض وشربوا مياه النيل من أعمق نقطه لمجراه .. وإن كانت هذه تكهنات ألقاها بعض المحللون والساسة .. ونتائج ما أسردناه هل السد العالي هو سببا رئيسيا في كثرة الآفات الزراعية ورغم أن التوسع الأفقي تضاعف ومازال الإنتاج كما هو .. رغم أن السد هو العائق الرئيسي لطمي النيل الذي كان بمثابة سماد بلدي طبيعي يقضي علي الحشرات والآفات وينتج عنه نبات وثمار طبيعية خالية من الهرمونات والمواد الكيماوية التي أضرت بالمصريين وأدت إلي زيادة الأمراض الخبيثة أضعاف مضاعفة .. إن عدم وصول طمي النيل والمبيدات السامة المستوردة لهي سببا رئيسيا في ضياع الثورة الزراعية في مصر وعلي الأقل ” محلك سر ” وهناك سببا أخر لفساد التربة الطينية وهو أنها في منطقة منخفضة والتربة الرملية مرتفعه فعند زراعتها تنصرف المياه الطينية وهو ما يؤدي إلي كثرة الحشرات وملوحة الأرض وتعفن بعض النباتات وعموم الآفات مثل آفات الفول البلدي والبصل والثوم والقمح جراء الذمير والهالوك والحشائش الخبيئة ؟! وزارة الزراعة باختلاف وزرائها فشلت في مواجهة هذه الآفات وعجزت عن رد كافي في مثل هذه الأمور ووزارة الري وقفت عاجزة عن توصيل المياه إلي المناطق الجديدة لارتفاعها وحاجتها إلي مضخات مميكنه لرافعها تستهلك قبل أوانها وتحترق مبيناتها ومعها تحترق الأراضي الزراعية وتموت الثمار في النبات .. وهل أن هذه الوزارة لا ذنب لها في ذلك كله وقد أصابتنا لعنة النيل جراء بناء السد وهو ما نعاني منه الآن علي كافة الأصعدة ؟! .. سؤال يحتاج إلي رد من متخصصين في الزراعة والري 0.. ؟!
حمدي خليفة
نقيب المحامين بالجيزة